عن الشعرية
سؤالان مختلفان تماما وقد يلتقيان في الشعر:
هل يجب على الشاعر أن يقوم بوصف للشعر ؟
هل يقوم الشاعر بالتجمُّل للشعر قبل حضور القصيدة ؟
لا تغيب عن هذين السؤالين سياسة الشعر أبداً. هي مقرونة بالشعر كما تقترن الأفكار عند القاء القصيدة.
تتحمل سياسة الشعر هذا المكان الملتبس مما يكون و ما يجب أن يكون. لكن ما هو حقيقي و مفيد هو أن تلك المنطقتان مصاحبتان للقصيدة. فالأمر ليس بتلك الأهمية سواء احتمل الشعر الواجب أم اصطفى بلاغته الخاصة في العمل على حركاته في القصيدة. يقف الجمال الشعري في الوسط عند حالة البث المصاحب للقصيدة. الأفكار تأتي من هذه الجمالية المنزوعة الدسم ، طبعاً هي منزوعة الدسم أمام حاسة الناقد. تتواءم تلك الأفكار لتكون أجزاء خاصة من البلاغة لا تكشف عن نفسها الا لذلك الناقد ـ أضع الناقد هنا في غرفة خاصة لأستطيع التحاور معه ـ الذي و إن قسى على تلك الافكار "التي تتمظهر في شكل صور وشخصيات واستدعاءات.. الخ" إنما هو ـ أي الناقد ـ يحاول أن يجعل القصيدة مضطرة لأن تفصح عن مكنوناتها المتداعية ، قد أسمي تلك الحالة الاضطرارية (تغريداً) مبحوحاً أو مجروحاً بشكل ما ، سمّها "قيثارة" إن شئت. ولا أنفي تورط القصيدة نفسها من ذلك التغريد. هي تشير إليه و لو من بعيد ، والمهارة الحقيقية للشاعر هي أن يورط القصيدة ـ ربما لا "يورط" وإنما "يغري" ـ في أن تستل من نفسها خيط الحزن شيئاً فشيئاً. فهي تحس بأنها محتاجة لذلك الناقد الحصيف ولكنها تهرب من الدمع مكابرة أو خوفاً أو استسلاماً لانغماس قد وقعت فيه. سماءُ تلك التغريدة أيضاً لا تقف دون مشاكلة مع القصيدة. وربما كانت هي المدخل الأول لذلك الناقد. يكشف الناقد عن أوراق القصيدة بسرعة من هذه النافذة. لابد أن يقال هنا أن تلك السماء مجبولة على أن تكون درجاً يُصعد هو الآخر. هل يصل إلى الجمالية المطلوبة من الشعر؟ هذا ما يسأل عنه الشاعر بكلّيته. ومن هنا كان شرط الجمالية شرطا في الإغداق على الشعر بالالهام الشعري في القصيدة. أعتقد أن الموضوع الى هذه الدرجة يتضح أكثر فأكثر. ويعود السؤال عن وجوب القول أو قوام القصيدة الحاضرة سؤالاً في الجمالية .. دائماً وأبداً. إذاً ، فنحن أمام جمالية طاغية في الشعر تختبر نفسها لتصير شعريةً جاهزة لأن تتواقد على بياض الصفحات حتى بعد عبور القول بشتى أصناف الأمكنة والأزمنة. يقال : أن الترجمة خيانة للنص ، هذا ما سيتفق الشاعر معه تماما لأنه يريد أن يرى مولوده خاصاً وحميماً بل وعضوياً فيه ، لكن الناقد يرى أبعد من الشاعر فيستمر في التحليل بأدواته ويمرر القصيدة على المكنون الفكري والثقافي لمكتمل الانسان الذي يحوي هؤلاء جميعاً. تبدأ منازعة بسيطة بينهما على سقف تلك القصيدة ، والقصيدة تنظر أو تنتظر القرار النهائي بصبر عميم ـ لا أعلم حقيقة من أين لها هذا الصبر لكني أقول بوركتِ ـ هل يتواجد تصالح بينهما ـ أي الشاعر والناقد ـ بعد تلك المنازعة البسيطة؟ هذا ما لا يعلمه الشاعر و لا الناقد ، لكن القصيدة تلتفت إليه دائما وتحاول أن تلمح إليه في صوتها ، و إن كان مبحوحاً. سماء القصيدة لا يعرف التوقف عن اشارة نقدية أو شعرية ، بل يغطي عتمة المعنى دائما بسِفر لانهائي معتمل على قشرة القريحة التي عليها بدورها أن توقده ، فتتسلمه بنات الشعر وتغطيه بسابغ الألوان والصور والمجازات ثم تَهْديْه مصارف البحر المناسب فتبدأ التيارات تتجاذب و تتنافر عما يعوم الى اتجاهات القول المناسب لفناء الشعر من أبوابه المناسبة